ابحثوا معي عن اسمي ..!

المساهمات : 15 تاريخ التسجيل : 28/01/2008

.

مساءً ، بمجــَيـْرَد الاستيقاظ من نومي اليومي ، اعتدت أترك لذاكرتي وقتا لـ " تحميل " ملفاتها ، حينذاك - خلال هذا الوقت القصير - أتعرف عليّ ، ما حولي ، ماهيتي ، أين وكيف ومتى سأروح .. وما إلى ذلك من تلك الأشياء التي بمجرد اكتمالها أحس باكتمال ملامحي ، وطاقة من النشاط المتوهج تدفعني لأكاد أفتح صدري للأرض لا أرى فيها ما يقف بوجهي ..
ذاك المساء ؛ ولسبب لا أفهمه حتى الآن ، توقفت ذاكرتي عن التحميل عند نقطة ، غريبة ، وجدتني لا أعرف من أنا ، ما اسمي ، أهلي ، شغلي ، تاريخي ، ماضيّ ، صحبي ، وجدتني فجأة بلا هوية ، بأي لغة أفكر .؟ لا أدري ، في الظلام الدامس ، قلقا ، أكاد أكون مرعوبا تلمست ما حولي ، انتفضت هلعا إذ ارتطمت يدي بملمس رخو رطب ، لشيءٍ يكاد يكون جثة !! ، ارتدت يدي للوراء قبل أن تعاود محاولة استكشاف هذا الشيئ ، ناعم ، رطب ، به شيئ من برودة طرية ، جسد أنثى إذن .!!
من تلك السيدة أو الفتاة .؟ وأين أنا .؟ ما الذي أتى بها هنا أو ربما جاء بي إليها .؟
بوجيف مرتجف وهلع حاد قررت أن أقوم لأضع حدا لكل تلك التساؤلات ، أستشكف المكان ..
سحبت - لحظة قيامي - جزءا من الغطاء فلمحت - وكانتا عياناي قد اعتادتا شيئا من الظلام - جسد المرأة - الفتاة بالأحرى - المُسـَجـَّاة جانبي ، عارية النصف العلوي تماما ، مستغرقة في نوم هادئ مطمئن كأنها في بيتها ، على ملامحها الرقيقة لمحة من ملائكية راقية ، من تلك .؟
الغرفة فيما يبدو مرتبة إلى حد ما ، باب صغير ذهبت لأخرج منه ، وجدته باب حمام كان يبدو نظيفا مترفا إلى حد بعيد ، شباك يطل على مبنى كبير ، ربما كان لجامعة أو مؤسسة ضخمة ..

من أنا .؟ أحس بسديمية بيضاء ، مخيفة ، وحدة ، كأني أهوي من حالق في فراغ سحيق مخيف شاذ ، رباه ، مد لي يدك ..

تلك البنت لا شك تعرفني وإلا ما اطمأنت في نومها هكذا ، فلأوقظها إذن ولأستجوبها لتقر وتعترف وتعطيني تقريرا مفصلا عني .!! ، لكني ما كدت أصل إليها حتى أشفقت أن أوقظها في استغراقها العميق واطمئنانها ، هل أوقظها لأسألها من أنا .؟ سيكون غريبا لاشك ..

منفضة سجائر بها بعض الأعقاب ، وكأسان وبعض مياه غازية وبقايا طعام ، إذن هذان أكلا وشربا هنا قبل أن يقوما للنوم سويا ، هذان أقصد أنا وتلك البنت .!! ، أأعتبرني " هذا " .؟!!
من أنا .؟

قليل ، وجاءني الصوت منبعثا في خدر وفتور : محمد .؟
إنها البنت ..
إذن اسمي " محمد " تلك أوائل بشارات ارتياح الدهشة ، ماذا بعد اسمي يا أنت .؟
تكرر النداء ، فلابد أن أجيب ..
جاوبت : نعم
- إنت رحت فين .؟ مش قلت مش هتصحى قبل بكرة .؟
إذن كنت أنوي أن أظل ممددا بهذا الوضع إلى الغد .؟
ماذا يكون الغد .؟ أي يوم من أيام الأسبوع .؟
- يا محمد .؟ ( تنادي مجددا )
آه تذكرت أنه يجدر بي أن أجيب فأجبت : قلقت شوية
- طب متيجي بأة ..
مضطر أنا لمسايرتها حتى أعرف ما أنا ومن أنا .!
ذهبت ، اندسست في الغطاء المشترك ، لأجدها تلفني بذراعها الشمال ووجهها منغرس في الوسادة ، شعرها مبعثر فوضوي حولها وخصلة منه جاءت بفمي ، تذوقتها لكني لم أستطع أن أحدد إن كانت حلوة أم حلوة " إلا حتة " .!
مر وقت طويل ، بينما في حيرتي وإحساسي المريع بالتيه أحاول أن أعتصر ذهني لأجد لي بقايا هوية ، شيئا من جذور ، بعضَ معنى .!! بلا جدوى
صوتها الرخو النائم يعاود السريان المنبه : قلقان من إيه حبيبي .؟ حاجة في الجورنال .؟
هه امسك هذه ، أنت إذن - يا أيها الـ أنا - تعمل في " جورنال " ، ماذا تعمل .؟ وهنا تطل مساحة من فراغ شاحب مفزع ..
تعاود : محمد .؟ مالك .؟ وتعتدل شيئا لتطوقني بذراعها ، ترفع جزءها العلوي شيئا ، تضمني ، ينغرس نهداها الصغيران بصدري ، أحس ملمسهما الطري - متكوران كتجويف بين صدرينا - يدغدغني ، تقبلني الهوينى ، أحس دفء أنفاسها على رقبتي ، خديّ ، وجهي ، .. شيئا فشيئا يتصاعد إيقاع حركتها ، رفقا ، طب استني بس ، أصلـ ....... اوووووه .. أتمرد ..
أنتفض كما طائر منبعث من الرماد ، أطحنها طحن رحًى ، وأتعصّف عليها ، أتبركن ، أتطوفن ولست أجيد إلا هذا في بدايات مثل هذه المواقف ..
هي البادئة فلتتحمل إذن .!
أمارس الحب كما لو كنت أفعله للمرة الأخيرة ، أجتاح مرمر جسدها القليل ، ثم أرتاح فوقها ، أترك أشياء مني تتبخر مع سخونتي ، كما لو كنت ألقي عن كاهلي ميراث أجيال من الصخور ، تتساقط نتوءات أزمنتي شيئا فشيئا ، أخف رويدا ، أحس بي أشفَ ، كأنني اغتسلت ..
ياه ، هل بهذا الجمال أن تمارس الحب .؟

استرحنا لنعاوده مرة تلو مرة خلال الليلة ، تحكي لي بين المرات عن أشخاص لا أعرفهم ، فلان وفلانة وفلان وفلان والعديد ، تحدثني عنهم بدون ألقاب أو أوصاف أو إبيان كأنني أعرفهم أو كأنهم صحبي .!! ، لكني الآن أدرك أنني صحفي ، وهي زميلتي بـ " الجورنال " ، هي تعيش حياتها بهذا الشكل السيريالي ، جسدها حر يملكه فقط من تحبه ، ليس هذا فحسب ، بل أدركت أنني في الأصل آت من جنوب لبنان إلى مصر.! لم أعرف كيف ومتى ، وفضلت ألا أسأل كيلا يثير تساؤلي تساؤلاتها فأعجز عن رد ..

ناديتها : يا شيماء - اسمها - ، فأجابت : اي
هطلع شوية وراجع ، هشتري حاجة كده ..
- متنساش السجاير
- حاضر ..

الشارع عريض ، مزدحم ، مؤشر الساعة على السابعة إلا الثلث ، لا أذكر أيا من تلك الأشياء تماما ، كل الملامح غريبة ، الخطى من حولي غريبة ، حتى السماء غريبة ، حتى أنا غريب عن نفسي ، وبيني وبين نفسي غربة شاسعة مقفرة موغلة في الإخافة والخنق ، لكن شيئا وحيدا لا أدركه تماما أحسه ملتصقا بذاتي وبيننا منه حميمية دافئة تمنحني بعضا من فهم الحياة - الحياة التي أنا الآن لا أعرفها مطلقا - .!!! كأنه شخص قريب لقلبي ، لا بل كأنه امرأة ، بل كأن اسمها ..... هوووب ، قل اسمها ، حاول ، ياللا .. حاول تاني ...... لا فائدة ، لا أذكر تماما ، صعب صعب .. سأحاول وربما أنجح في المحاولة القادمة ..

لمحل الاتصالات ذهبت ، رقم وحيد وجدتني أتذكره كما لو كان وحيا آنيا ، أمليه فتى السنترال ليصلني به
- الو ..
- هالو ..
- أيوة .. مين .؟
- انت اللي مين .؟ مش انت متصل .؟
- آه فعلا ، طب هو كان في حد هنا اسمه ............. أيضا يبدو الاسم شاسعا في النأي فلا يقترب ..
- حد مين .؟
- اللي هو .... مش ده بيت مممم .......
- ايه يا محمد ، انت مش عارفني .؟
- ( بلهفة كلهفة غريق رأى على القرب قارب إنقاذ - أيوة انا محمد فعلا .. ( البنت التي فوق نادتني بـ محمد ) انتي مين .؟
- أيوة انت محمد .؟!!! مالك محمد .. أنا منى ، انت رجعت الجورنال تاني واللا بتتكلم من برة .؟
- آه .. منى ، ازيك يا منى .؟ مين منى .؟
- ههههههههه انت شكلك لسه صاحي ومفقتش من النوم .. بقولك ايه ! ظبط أمورك وكلمني ..، مستنياك .!
- لا ، مفيش داعي كله متظبط ، بس مين انتي بأة .؟
- في ايه يا محمد ، منى خطيبتك .
- إيه .؟ خطيبتي .؟ منين وإمتى .؟ وازاي .؟ هو انا خطبت من غير علمي .؟
- انت مش ناوي تبطل الشقاوة دي .؟ كلم ماما عايزاك ..
قبل أن أعترض أو أسأل مين ماما واسمها ايه كان صوت الأم يطل برقة :
- ههههههه ربنا يسعدكم ، مطلعين عنين بعض ، ازيك يا ابني ؟
- بخير يا ماما .. الحمد لله .
- انت بكرة هتيجي تتغدى معانا ، إجازتك بأة وملكش حجة ..
( أتغدى .؟ فين .؟ ( كدت أسأل هو ايه العنوان .؟ ) ..! )
- طيب حاضر يا ماما هحاول ان شاء الله ، شكرا أوي
- مفيش تحاول ، هنستناك وهتيجي
- حاضر
- شكرا يا ابني ، معاك منى حبيبي اهيه

يا إلهي ، أي حس هذا المتوغل في ذات عصب الأشياء يكاد يفتك بي من تشتت بلا آخر .؟ ، أي هذا البياض الممتد كسحابة بلا أطراف على مستوى الرؤية .؟ هل " منى " هذه هي هذا الشيء المتصل بحيمية ذاتي ، الذي فقدت نفسي ولم أفقده .؟ هل هي حبيبتي .؟
أحس ناحيتها بتواصل رحب ، ثري ، شيق ، مفعم بالألفة والأمل والاخضرار ، لكن ينقصها شيء .! لا أدري ما هو لكن أحسه ..
من هي تلك البنت الأخرى .؟ تلك الروح .؟ الذات .؟ الكنه .؟ الحقيقة .؟ المعنى .؟ الذاكرة الحقة .؟ من هي البنت أنا .؟ الأثبت فيّ منـِّي .؟
يجيؤني الصوت عبر الهاتف ، كأنني استيقظ عليه :
- محمد ، محمد ، انت فين .؟
- آه معليش ، معك معك ، أكيد معك
- لا يا عم انت ضايع خالص ، روح كمل نومك وهكلمك قبل ما انام
- طيب ، حاضر

منى ، يا أيتها الحرير الدافق من شريان انتظاري لحظة الكشف الأبيض عن بياض روحي في بياض دفء بياض روحك ، أحسك جدا ، أمتلئ بك الآن حتى لأحسك ذاك الطيف الغامض المجهول ، أستنشق طيبك ، وطيبتك ، وحنانك ، وشغفك باللحظات التجمعنا فأمتلئ بها ، هي ، لا أدري هل " هي " أخرى ، أم أنها أنت فيما بعد عام .!

ينتظرني بالأعلى جسد ، وفوضى ، وغربة روح ، وطفولة خصبة ، وشيماء
بأي اسم أصعد إليها .؟
ناديت في الشارع المزدحم : يا اللي هنا
ابحثوا معي ..
شيئ ضائع غال عليّ ثمين عزيز أفتقده
ابحثوا معي عن اسمي
اسمي فقط
اسمي لا غير ..

.!
.!
.!

.

المساهمات : 30 تاريخ التسجيل : 27/01/2008

المساهمات : 131 تاريخ التسجيل : 25/01/2008

نايس يا محمد والله فكرتها حلوة

ومشربش عندك برتقان

تيام